يكتب ويليام كريستو عن جنوب سوريا الذي يواجه عامًا ثقيلًا من الخوف بعد تمدّد الاحتلال الإسرائيلي. ينقل الكاتب شهادات سكان القنيطرة الذين عاشوا لحظة سقوط نظام الأسد، لكنهم استقبلوا في اليوم نفسه قوة عسكرية جديدة تحكمهم بالقوة نفسها التي هربوا منها.
يعرض التقرير توسّع النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري منذ ديسمبر 2024، ويشرح كيف تعيش المجتمعات المحلية بين إرث حرب طويلة وسلطة عسكرية لا تتسامح مع أي اعتراض.
1. دخولٌ مفاجئ… وخوف يتجذّر
يستيقظ أبو إبراهيم وعائلته على أصوات الرصاص والدبابات في 9 ديسمبر 2024. يسود الذعر البلدة الصغيرة، بينما تشق ناقلات الجنود الإسرائيلية طريقها فوق الشوارع المحفّرة، لتحلّ محل ميليشيات الأسد. يعترف الرجل صاحب الـ52 عامًا بأنه لم يعرف لحظة احتفال واحدة بسقوط النظام، لأن الدبابات دخلت من جهة بينما انهار النظام من الجهة الأخرى.
يسود الجنوب شعور بالغربة عن "الحرية" التي يتحدث عنها باقي السوريين. بعد عام من دخول القوات الإسرائيلية، يترسّخ الاحتلال وتزداد وتيرة المداهمات والغارات. يخلّف توغل إسرائيلي في بيت جن نهاية نوفمبر 13 قتيلًا، بينهم طفلان، ويعمّ السخط قلوب السكان الذين فقدوا ثقتهم بأي جهة تحمل سلاحًا.
يقول الأهالي إنهم استبدلوا عسف الأسد باحتلال عسكري. تتغير الحواجز، لكن القمع يبقى. تواصل القوات الإسرائيلية مداهمات ليلية وتفتيش هواتف السكان. وتفرض على الجميع تسليم أسلحتهم قبل أن تبدأ مداهمات لانتزاع ما تظنه مخبأ في البيوت.
يفقد أبو إبراهيم بيته بعد أن تزيله الجرافات مع 14 منزلًا آخر، لتشييد قاعدة عسكرية جديدة. يواجه الجنود بالسؤال: لماذا تهدمون منازلنا ونحن لم نحمل سلاحًا؟ فيجيبه أحدهم بأن الأسد دمّر كل سوريا ولا داعي للغضب من "بضع بيوت".
يتراجع صوته كلما مرّت سيارة خوفًا من دورية إسرائيلية، بينما يعجز ابنه البالغ 13 عامًا عن الكلام بثبات بعد أن أصيب بالتلعثم منذ لحظة دخول القوات بلدته.
2. مفاوضات عقيمة… وجيش سوري بلا قوة
تواصل الحكومة السورية مناشدة العالم لكبح الاحتلال، باعتباره خرقًا لاتفاق 1974 الخاص بمنطقة الفصل قرب الجولان. لكن المناشدات لا تجد آذانًا.
يدرك المسؤولون في دمشق أن جيشهم الناشئ لن يصمد أمام جيش إسرائيلي مدجّج بالدعم الأمريكي. خلال الأيام الأولى بعد سقوط نظام الأسد، شنّت إسرائيل مئات الغارات التي دمّرت معظم الطيران السوري ومستودعات السلاح.
تشارك دمشق الآن في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بوساطة أمريكية. يسعى السوريون لإنجاز اتفاق عدم اعتداء وانسحاب للقوات الإسرائيلية. لكن المفاوضات تتعثر، فلا إسرائيل ترغب في التخلي عن مواقعها، ولا الحكومة السورية تملك أدوات ضغط حقيقية.
على الأرض، ينحسر الوجود السوري الرسمي في القرى التي تخضع فعليًا لحكم القوات الإسرائيلية. يحتاج السكان إلى إذن إسرائيلي قبل إصلاح الكهرباء أو إدخال شاحنة صيانة. ولا يقدر أحد على تنظيم زفاف أو مناسبة اجتماعية دون تصريح. يراقب الناس الطائرات المسيّرة فوق حقولهم وهم يحرثون الأرض.
يعيّن الضباط الإسرائيليون شخصية محلية، ياسين الحمّاد (57 عامًا)، لإدارة التواصل مع قواتهم. يروي الرجل أن الجنود وبّخوه عندما دخلت شاحنة لإصلاح أعمدة الكهرباء دون علمهم. يشعر بأنه مراقَب في كل حركة. ويعترف بأنه صار يحفظ جُملاً عبرية بسيطة لتمريرها على الحواجز من دون مشاكل.
3. احتلالٌ يتجذّر… وسكان ينتظرون الخلاص
تقول القوات الإسرائيلية إنها لا تريد سوى منع مجموعات مسلحة من الاقتراب من حدودها، لكن اتساع النشاط العسكري يجعل السكان يتساءلون: ما نهاية هذا الوجود؟
تزداد المخاوف مع كل يوم. تتراكم السواتر الترابية التي تردم الطرق. تشق الدبابات خطوطًا جديدة في الأرض. يغيب أي أثر لورشة إعادة إعمار كتلك التي تملأ مدن سوريا الأخرى. وحدها الجرافات الإسرائيلية تحفر، لتقوية قواعد عسكرية وجدران حماية.
يخاف السكان من العودة إلى القنيطرة، لأن أحدًا لا يعرف إن كانت إسرائيل ستسمح لهم بالبقاء. يحبسون أنفاسهم في الليل، ويراقبون أي حركة غريبة. يختصر أبو إبراهيم المأساة بقوله: "لو عندي أوضة واحدة في دمشق، كنت سيبت هنا فورًا. إحنا عايشين في رعب".
https://www.theguardian.com/world/2025/dec/09/fears-southern-syria-israel-growing-occupation

